كيف النجاة من الميتة الجاهلية
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته0
من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية "
هذا الحديث متسالم بين الأمة على صحته وقبوله
. وقد قال المفيد فيه : خبر صحيح يشهد به إجماع أهل الآثار . وقال في الافصاح : أنه خبر متواتر . وقد رواه علماء المذاهب الاسلامية الكبرى ، كافة : الشيعة الإمامية ، والزيدية ، وأهل السنة : وأمر إسناده مفروغ عنه ومدلوله .: أن القرآن يشهد لمعناه في آيات صريحة : منها قوله تعالى : " يوم ندعوا كل أناس بإمامهم . . . " . وقوله تعالى : " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " . ومدلول الحديث : أن عدم معرفة الانسان إمام زمانه يؤدي إلى أن يموت ميتة جاهلية ، على غير ملة الاسلام ، " فالجهل بالإمام يخرج صاحبه عن الاسلام " كما يقول المفيد ،إذن ، لا بد من وجود إمام في كل عصر وزمان ، ولا بد للمسلم أن يعرف صاحب عصره ، وإمام زمانه ، وإلا مات ميتة الكفر والضلالة الجاهلية . والشيعة الإمامية يعتقدون بإمام العصر وصاحب الزمان عندهم وأنه هو محمد بن الحسن العسكري عليه السلام ، وأنه المهدي المنتظر خروجه في آخر الزمان ، وأنه غاب بعد فترة من ولادته ، وهم يعتقدون بغيبته .
وقد اعترض بعض المخالفين على هذا الاعتقاد بأنه يتعارض ومنطوق الحديث ، وتصور أن غيبة الإمام تنافي معرفتنا به ، لأن وجوده يستلزم العلم بمكانه ، والاتصال به والاستفادة منه .
فاعترض على الغيبة بأنه
1- إذا كان الخبر صحيحا ، فكيف يصح قول الشيعة في إمام هذا الزمان أنه غائب ، مستتر عن الجميع ، لا يتصل به أحد ، ولا يعلم مكانه ومستقره ؟ وأجاب الشيخ المفيد عن هذا ، بأن مدلول الخبر هو " لزوم وجود الإمام و لزوم معرفة المسلم به " ولم يتضمن " وجوب ظهوره وعدم غيبته " فالاعتقاد بالغيبة لا ينافي مدلول الخبر
. ثم إن المصلحة قد تتعلق بمجرد معرفة الشئ أو الشخص ، ولا تتعلق بمشاهدته ومعرفة مكانه أو الاتصال به . 2 - واعترض على الغيبة بأنه : ما هي المصلحة في مجرد معرفة الإمام مع عدم الاتصال به ؟ وأجاب الشيخ المفيد بأن نفس معرفتنا بوجوده وإمامته وعصمته و فضله وكماله ، تنفعنا بأن نكتسب بها الثواب والأجر ، لامتثالنا لأمر الله بذلك ، ونستدفع بذلك العقاب الذي توعدنا عليه بجهله ثم إن انتظارنا لظهوره عبادة نثاب عليها ، ندفع بها عن أنفسنا العقاب . ثم إنا نؤدي بهذه العقيدة واجبا إلهيا فرضه الله علينا .
3 - ثم فرض المخالف سؤالا حاصله : إذا كان الإمام غائبا ومكانه مجهولا فماذا يصنع المكلف وعلى ماذا يعتمد المبتلى بالحوادث الواقعة ، إذا لم يعرف أحكامها ؟ ! وإلى من يرجع المتخاصمون ؟ ! وإنما المرجع في هذه الأمور إلى الإمام ، وهو المنصوب لها ! وأجاب الشيخ المفيد : أولا : إن واجبات الإمام - المنصوب لا جلها - كثيرة : منها : الفصل بين المتنازعين ومنها : بيان الأحكام الشرعية للمكلفين وأمور أخرى - من مصالح الدين والدنيا . لكن الإمام إنما يجب عليه القيام بهذه الأمور كلها بشرط التمكن والقدرة على إنفاذ كلمته ، وبشرط الاختيار . ولا يجب على الإمام شئ لا يستطيعه ، ولا يجب عليه الإيثار مع الاضطرار . وثانيا : إن الإمام إذا كان في ظروف التقية والاضطرار ، فليس ذلك من فعل الله تعالى ، ولا من فعل الإمام نفسه ، ولا من فعل المؤمنين من شيعته . بل ذلك من فعل الظالمين ، من أعدائه الغاصبين للخلافة والحكم على المسلمين الذين أباحوا دمه ، ونفوا نسبه ، وأنكروا حقه ، وغير ذلك من التصرفات التي أدت إلى وعدم ظهوره . فالنتائج المؤسفة المترتبة على الغيبة من تضييع الأحكام ، وتعطل الحدود ، وتأخر المصالح ، وعروض المفاسد ، كل تلك الأضرار تقع مسؤليتها على عاتق أولئك الأعداء الظالمين . والإمام ، والمؤمنون ، بريئون عن ذلك كله ، فلا يحاسبون به ! وأما المبتلى بالحوادث الواقعة : فيجب عليه الرجوع إلى العلماء من فقهاء الشيعة ، ليعلم من طريقهم أحكام الشريعة المستودعة عندهم . ومع عدم المرجع للأحكام ، أو عدم النص في مقام الحكم المبتلى به ، فالمرجع في ذلك هو حكم العقل ، ببيان أنه لو كان حكم شرعي سمعي - في المقام - لتعبدنا الله به ، بإبلاغه ، وإظهاره ، فعدم الدليل عليه ، دليل على عدم حكم شرعي خاص في مورده وهكذا المتخاصمون : يرجعون إلى الأحكام الواردة عن الشارع من خلال الرجوع إلى فقهاء الشيعة ، ومع عدم النص فالمرجع إلى أحكام العقول المقبولة عند الأعراف . والحادث الذي لا يعلم بالسمع إباحته من حظره ؟ فإنه على " أصل الإباحة " 0
واعترض أخيرا : بأن الأمة إذا كان بإمكانها الاعتماد في العمل بالدين على ما ذكر من النصوص ، والاجتهاد ، وأحكام العقول ، ثم الأصول ، فهي - إذن - مستغنية عن الإمام ، وليست بحاجة إليه ! فلماذا الالتزام بوجوده في الغيبة ؟ وأجاب الشيخ المفيد عن ذلك : بأن الحاجة إلى الإمام مستمرة ولو كان غائبا ، فعدم الحضور ، وعدم الاتصال به لا يوجب الاستغناء عن وجوده ، كما أن عدم حضور الدواء عند المريض لا يؤدي إلى استغناء المريض عنه ، ومع عدم حصول الدليل لا يستغني المتحير عنه ، بل هو بحاجة إليه وإن كان مفقودا له . ثم لو التزم بالاستغناء عند الغيبة ، للزم عدم الحاجة إلى الأنبياء عند غيباتهم ، كغيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شعب أبي طالب ثلاث سنين ، وفي الغار عدة أيام ، وغيبة موسى النبي عليه السلام في الميقات ، وغيبة يونس في بطن الحوت . وهذا مما لا يلتزم به مسلم ، بل و لا أي شخص ملي يعتقد برسالة سماوية. وقد ذكر الشيخ في الجواب عن الاعتراض الثالث نكتة مهمة ، وهي : أن الخصوم يلتزمون - كافة - بالاجتهاد في الأحكام ، ويلجأون إلى الاجتهاد ، من بعد زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة ( أي بعد سنة ( 11 ) هجرية ) . وأما نحن فنلتزم بالاجتهاد بعد عصر ظهور الأئمة عليهم السلام و بالتحديد بعد الغيبة الصغرى ( سنة ( 329 ) هجرية ) . فحالنا في عصر الغيبة ، هي عين حالهم ؟ فما وجه اعتراضهم علينا في مسألة الأحكام . ونحن ، وإن اضطررنا - لمكان الغيبة - إلى اللجوء إلى الاجتهاد - بهذا الشكل - لكنا مع ذلك ملتزمون بوجود إمام لعصرنا ، نعرفه بالشخص والاسم والصفة ، فنحن ممتثلون لما ورد في الخبر المذكور ، بعيدون عن الجاهلية وميتتها . وأما الخصوم - فمهما كانت معالجتهم لفروع الشريعة - فما هو موقفهم من مدلول هذا الحديث المجمع عليه سندا ، والواضح دلالة ؟ وبمن يأتمون في دينهم ، ومن هو " الإمام " عليهم في عصرهم وزمانهم ؟ ! وإذا كانوا لا يعرفون " إماما " فالحديث عين ، بأية ميتة يموتون ؟
رسائل في الغيبة ج 1
الشيخ المفيد
مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
http://WWW.M-MAHDI.COM