أجر كافل اليتيم
لقد ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات المباركة التي تحض على إيلاء اليتيم اهتماماً مميزاً في كثير من شؤونه الحياتية والاجتماعية والعاطفية والنفسيّة: "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير.." وبهذا المعنى ورد عن رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) الكثير من الروايات والأحاديث التي تؤكد على هذا الاهتمام وتبين في الوقت عينه مدى الثواب العظيم الذي يحصل عليه مَن يقدم لليتيم الدعم (مادياً أو معنوياً) في الدنيا والآخرة.
من هذه الأحاديث ما ورد في خطبة رسول الله (ص) في استقبال شهر رمضان المبارك قوله (ص) : "تحننوا على أيتام الناس يُتحنن على أيتامكم ..مَن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه".. وقوله في مناسبة أخرى: "من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة حسنه".. و"مَنْ عال يتيماً حتى يستغني عنه أوجب الله له بذلك الجنة"..
وفي رواية عن السيد المسيح (ع) أنه مَرّ بقبر يُعذبُ صاحبه ثم مَرّ بهذا القبر في العام الثاني فوجد أن العذاب قد رفع عنه (صاحب القبر) فسأل السيد المسيحُ (ع) الله عز وجل عن السبب فجاءهُ الجوابُ لقد نشأ لصاحب القبر ولدّ آوى يتيماً فبذلك رفع اللهُ عن والده العذاب..
إنَّ هذه الآياتِ والروايات والأحاديث واضحةٌ تمام الوضوح وهي لا تقبل التفسير والتأويل للدلالة على مدى الأجر الذي يمنحه الله لمن يولي اليتيم ما يحتاجه من الاهتمام وإنَّ أوضح هذه الدلالات ما ورد في حديث الكفالة عن رسول الله (ص) : "أنا وكافل اليتيم في الجنة" ولكي يؤكد (ص) حتمية هذا الجزاء العظيم رفع يده الشريفة وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى مقرناً بينهما..
إنَّ الله سبحانه وتعالى يقول: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنه لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً".. ورسول الله (ص) عوضاً عن أنه سنَّ لنا هذه السنن الحسنَة قولاً وعملاً فهو قد عاش حياته يتيماً في كنف عمه أبي طالب (رض) فلذلك إننا نستشعر في كل كلمة من كلماته النورانية عمق آلام اليتم هذه الآلام التي لا يعرف قدرها إلا الله سبحانه وتعالى ومَن ابتلاه الله باليتم ومَنْ أصدق من رسول الله (ص) بعد الله قيلاً؟ ".. فأما اليتيم فلا تقهر" ولذلك أيضاً فإنَّ الأحاسيس الطيبة والمشاعر الصادقة التي تدفع إلى احتضان الأيتام أو إصلاحهم أو رعايتهم أو كفالتهم أو ما إلى ذلك تُفرح قلوبهم وتكون الكفالة بالنسبة إليهم كالندى الذي يتساقط فوق براعم الزهور لتنفتح على الطبيعة والكون والحياة وهي أيضاً كالماء الذي ينزل فوق الأرض اليباب فتهتز وتربو وتُنبت من كل زوج بهيج وهي أيضاً وأيضاً إحياءٌ لنفوسٍ يمكن أن تسقط في متاهات الضياع ما لم يَتعهدها الخيّرون والطيبون "ومن أحيى نفساً فكأنما أحيى الناس جميعاً". كلَّ ذلك تأسٍ برسول الله (ص) والأجر جنةٌ عرضها السماوات والأرض في جواره الطاهر وأي شرف أعظم من هذا الشرف؟ "والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلاً ظليلاً"..